- Unknown
- 9:43 ص
- ISLAM
- لاتوجد تعليقات
إنَّ الخشيةَ لا يَصِحّ أن تكونَ إلاّ مِن الله وحدَه؛ لأنّه سبحانه المدبِّر لأمور المخلوقاتِ كلِّها، وهو الحيُّ الذي لا يموتُ، القيُّوم الذي تَقوم به الخلائِقُ كلُّها وتَفتقِر إليه، أمّا غيره فهو عاجِزٌ فَانٍ لا يملك لنفسِه نَفعًا ولا ضَرًّا ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا، قلبُه بين إصبعين من أصابع الرحمن، يقلِّبه كيف يشاء، كما جاء في الحديث الذي أخرجه مسلم في الصحيح من حديث عبدِ الله بن عمرو رضي الله عنهما[1]، فجميع الخلائقِ ليسوا في الحقيقةِ غيرَ وسائط لإيصال ما قدَّره الله من أقدارٍ، يبيِّن ذلك أوضحَ بيان قولُ رسول الله في وَصيَّته المشهورة لابن عمِّه عبد الله بن العباس -رضي الله عنهما-: ((يا غلام، إني أعلّمك كلمات: احفظِ اللهَ يحفظْك، احفظِ اللهَ تجده تجاهَك، إذا سألت فاسألِ الله، وإذا استعنتَ فاستَعِن بالله، واعلم أنَّ الأمّةَ لو اجتمعَت على أن ينفعوك بشيءٍ لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لَك، ولَو اجتمَعوا على أن يضرّوك بشيء لم يضروك إلا بشيءٍ قد كتبه الله عَليك، رفِعَت الأقلام، وجفَّت الصحف)) أخرجه الترمذي في جامعه وهذا لفظه وأحمد في مسنده والحاكم في مستدركه بإسنادٍ صحيح[2].
ولذا كان من الخطَأ البيِّن قولُ من يقول: "إني أخاف الله وأخاف أيضًا ممّن لا يخاف الله"، فإنّ هذا قولٌ باطِل لا يجوز كما قال أهلُ العلم، بل على المؤمن أن يخاف الله وحدَه، وأمّا من لا يخاف الله فإنّه أذَلّ مِن أن يُخشى، فهو ظالم من أولياءِ الشيطان، والخوف منه قد نهى الله عنه، وأمّا الخشية ممّا قد يصدُر عنه من أَذى فإنه لا يكون إلا بتسلِيط الله له، وإذا أرادَ الله دفعَ شرِّه دَفَعَه؛ لأنَّ الأمرَ كلَّه له سبحانه، وإنما سُلِّطَ على العبد بما اجتَرحه من السيّئات، فإذا خشِيَ العبد ربَّه كمالَ الخشية واتّقاه وتوكَّل عليه وأناب إليه واستَغفره كفاه شرَّ كلِّ ذي شرّ، ولم يسلِّط عليه أحدًا، فإنّه -عز وجل- قال: (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق: 3] أي: كافيه، وقال: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوء وَاتَّبَعُواْ رِضْوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) [آل عمران: 173، 174].
ألا وإنَّ ثمارَ هذه الخشيةِ ظاهرة وآثارها بيِّنة، فإنها باعِثٌ على إخلاصِ العمل لله تعالى والاستِدامةِ على ذلك، وطريقٌ إلى العِزَّة التي كتَبَها الله لعبادِه المؤمنين، وسَبيلٌ إلى صيانةِ النّفس عن التردِّي في مواطنِ الذّلِّ، وداعٍ إلى التحلّي بمحاسِنِ الأخلاق والنُّفرة من مساوِئها، وسببٌ لبلوغ السّعادة في الحياة الدنيا، وحامِلٌ على الأمنِ من الفزع الأكبر وإلى الفوزِ بالجنّة والنّجاة من النار، وصدق الله إذ يقول: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) [الزمر: 36]
نفعني الله وإيّاكم بهدي كتابه، وبسنّة نبيّه، أقول قولي هذا، وأستغفِر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذَنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق