- Unknown
- 12:11 م
- لاتوجد تعليقات
بسم الله الرحمن الرحيم
آداب الحوار في الإسلام
ورد عند الترمزى وغيره من حديث عَلِىٍّ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم «إِنَّ فِى الْجَنَّةِ غُرَفًا تُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا » فَقَامَ أَعْرَابِىٌّ فَقَالَ لِمَنْ هِىَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لِمَنْ أَطَابَ الْكَلاَمَ وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ وَأَدَامَ الصِّيَامَ وَصَلَّى لِلَّهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ»
أيها الإخوة المؤمنون أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم موعدنا بحول الله تعالى لنتحدث عن أدب من الآداب الاسلامية الرفيعة والتى إن دلت على شئ فإنما تدل على أن الإسلام يُعنَى أول ما يُعنَى بالأخلاق الكريمة الإسلام يدعو أول ما يدعو إلى الصفات الحميدة وإلى القيم النبيلة وإلى محاسن الأعمال يدعو إلى الصدق إلى الأمانة إلى عفة اللسان إلى عفة النفس إلى الأدب إلى الحياء ..
وحديثنا فى يومنا هذا أيها المؤمنون عن أدب الحوار الذى يدور بين المسلم وبين أخيه المسلم
عن أدب الحديث الذى يدور بين المسلم وبين زوجه وولده ويدور بين المسلم وبين الناس ..
أيها الإخوة المؤمنون حرم الإسلام أذية المسلم لأخيه المسلم :
ولو بكلمة ولو بغمزة ولو بلمزة وفى البيان النبوى يقول الحبيب النبى صلى الله عليه وسلم « إِذَا كُنْتُمْ ثَلاَثَةً فَلاَ يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ صَاحِبِهِمَا فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ »
إذا كنا ثلاثة فى بيت أو فى أى موضع فلا يحلُّ لرجلين منا أن يتحدثا ويتركا صاحبهما الثالث حتى لا يتلاعب به الشيطان فيسئ الظن بهما ويحسب أنهم يتحدثون عنه وإن ذلك يحزنه ويؤذيه واللهُ تعالى يكره أذى المؤمن } كما دل على ذلك حديث النبى صلى الله عليه وسلم
قلت وأبلغ من هذا قول رب العالمين سبحانه { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ }
من آداب الحوار
ومن آداب الحديث التى دعانا وأمرنا بها الإسلام :
أن نعرض العبارة على عقولنا وعلى ضمائرنا قبل أن نتكلم بها , وقبل أن تخرج من ألسنتنا , ديننا يُلزمنا أيها المؤمنون أن ننتقى كلامنا قبل أن نتكلم به كما ننتقى أطايب الثمر ..
يدعونا الإسلام إلى الكلمة الطيبة التى تجمع ولا تفرق والتى تؤلف ولا تنفر والتى تسر ولا تضر وبهذا الأسلوب الحكيم وصّى الله رسوله صلى الله عليه وسلم ووصّى الذين آمنوا إذا تحاور بعضهم مع بعض وإذا تحاوروا مع غير المسلمين فقال :{وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا }
بالحوار الهادئ بالحوار الهادف الرحيم الكريم :
أخذ رسول الله بقلوب الناس إليه وحببهم فى رسالته ودعوته فما كان رسول الله ثرثاراً فى الكلام ولم يكن متشدقاً ولا متفيهقاً ولا مختالاً ولا متعالياً بل كان صلى الله عليه وسلم بشوش الوجه لبقاً سريع البديهة يختار ألفاظه وينتقى كلماته كما ينتقى أطايب الثمر كان صلى الله عليه وسلم يحاور الناس ويحدثهم حديث طالب الحق ولا شئ غير الحق لا يريد الظهور ولا يريد الغلبه لكنه يرجو ويأمل أن يكون الناس كل الناس على حال من الهدى والتقى وعلى حال العفاف والغنى
لم يكن يرفع صوته , لم يكن يتجهم فى وجوه الناس , لم يكن يُعرض بوجهه عن الناس إن حدثوه بل كان يُقبل عليهم ويسمع لهم حتى يفرغوا من حديثهم أدباً وتواضعاً منه صلى الله عليه وسلم
وأحسبكم أيها المؤمنون تعرفون خبر ذلك الشاب :
الذى جاء يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول يا رسول الله ائذن لي بالزنا . فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا مه مه ! فقال صلى الله عليه وسلم ادنه فدنا الفتى قريبا من رسول الله ودار هذا الحوار بين رسول الله وبين ذلك الشاب فاسمعوه وتعلموا منه قال النبى يا فلان بن فلان جئت تستأذن فى الزنا قال نعم يا رسول الله ..
والله ما نهره والله ما كهره ولا عنفه ولكنه حاوره بلغه النبوة الرحيمة فقال أتحبه لأمك ؟ قال الفتى لأمى ؟! لا والله جعلني الله فداك يا رسول الله قال النبى ولا الناس يحبونه لأمهاتهم . قال النبى أفتحبه لابنتك ؟ قال الفتى لابنتى؟! لا والله يا رسول الله جعلني الله فداك قال النبى ولا الناس يحبونه لبناتهم , أتحبه لأختك ؟ قال لا والله جعلني الله فداك قال النبى ولا الناس يحبونه لأخواتهم , أتحبه لعمتك ؟ قال لا والله جعلني الله فداك . قال ولا الناس يحبونه لعماتهم , أتحبه لخالتك ؟ قال لا والله جعلني الله فداك . قال : ولا الناس يحبونه لخالاتهم . ..
قال راوى الأثر ثم وضع النبى يده الشريفة علي صدر الفتى وقال اللهم ! اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه . قال الفتى دخلت على رسول الله وما من شئ أحب إلىّ من الزنا وخرجت وما على الأرض شئ أبغض إلىّ من الزنا .
بهذ الأسلوب الحكيم
وبهذه الطريقة المستحسنة والمحببة: إلى قلوب الناس أسر رسول الله نفوس حساده قبل نفوس أحبابه كان رسول الله فى مكة يتعامل ويدعو عبّاد أصنام لكنه لم يحاورهم إلا بالتى هى أحسن كانوا كفرة ولم يقل لهم رسول الله يوما يا كفرة كانوا مشركين ولم يقل لهم رسول الله يوما يا مشركين ولا يا مجرمين بل كان صاحب أدب جمٍّ يقول
{وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ , قُل لاَّ تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ}
قال محمد بن كعب : حُدِّثْتُ أن عتبة بن ربيعة كان يوما فى مجلس قريش، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد وحده فقال عتبة يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أمورا لعله يقبل بعضها، فنعطيه أيها شاء ويكف عنا؟
فقالوا بلى يا أبا الوليد، فقم إليه فكلمه فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا ابن أخي، إنك منا حيث قد علمت عشيرةً ونسباً وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم وسفهت به أحلامهم وعبت به آلهتهم ودينهم وكفّرتَ به من مضى من آبائهم، فاسمع مني أعرض عليك أمورا تنظر فيها لعلك تقبل منا بعضها. .
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "قل يا أبا الوليد، أسمع" قال يا ابن أخي، إن كنت تريد بما جئت به مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون من أكثرنا أموالاً . وإن كنت تريد به شرفا سودناك علينا، حتى لا نقطع أمرا دونك. وإن كنت تريد به ملكا ملكناك علينا. وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه لا تستطيع رده عن نفسك، طلبنا لك الطب، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه ..
قال عتبة ما قال ورسول الله يسمع منه لم ينفعل عليه ولم يقاطعه ولم يُعرض بوجهه عنه حتى سكت من تلقاء نفسه فلما سكت حاوره وكلمه النبى وقال "أفرغت يا أبا الوليد؟" قال نعم فقال صلى الله عليه وسلم: "فاستمع مني" ..
ثم قرأ {بسم الله الرحمن الرحيم . حم تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ}
ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ الآيات ولك أخى أن تتخيل حلاوة القرآن وهو يتلى بصوت المصطفى والنبى المجتبى صلى الله عليه وسلم .
سمع عتبة الآيات تتلى بصوت رسول الله فأنصت لها وألقى يديه خلف ظهره معتمدا عليهما يسمع من رسول الله ، حتى انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قول الله تعالى {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ }
فقال عتبة يا محمد أنشدك الرحم أن تسكت فسكت رسول الله ثم قال "قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت، فأنت وذاك
فقام عتبة فرجع إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعض أقسم بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به. فلما جلس إليهم قالوا ما وراءك يا أبا الوليد؟
قال ورائي أني قد سمعت قولا والله ما سمعت مثله أبداً والله ما هو بقول ساحر ولا بقول شاعر ولا بقول كاهن يا معشر قريش، أطيعوني واجعلوها لي، خلوا بين الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم، وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به قالوا سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه! قال هذا رأيي فيه، فاصنعوا ما بدا لكم .
أسره رسول الله وأفحمه وأقام عليه الحجة بكل أدب وبكل احترام وبكل هدوء بلا سبٍ ولا لعنٍ ولا طعنٍ .. ولئن قال قائل إن عتبة سمع من رسول الله ولم يسلم قرأت عليه قول ربى { إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}
الخطبة الثانية
ورد فيما صح عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ »
بقى لنا فى ختام الحديث عن أدب الحوار بين المسلم وبين الناس أن نقول إن الله تعالى شبه الكلمة الطيبة بشجرة طيبة تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها وفى المقابل شبه الله الكلمة الخبيثة بشجرة خبيثة اجتثت واقتلعت من فوق الأرض ما لها من قرار ..
نحن بحاجة للكلمة الطيبة وللحوار الهادف وللحديث البناء بيننا وبين أزواجنا وبيننا وبين أولادنا ..
إن من أخطر ما تتعرض له بيوتنا هذه الأيام غياب الحوار غياب الكلمة الطيبة بيننا وبين أهلنا ولهذا نرى شرخاً كبيراً فى العلاقة بين بين المرء وزوجه وبين الوالدين وبين الأبناء وهناك مشاكل كثيرة فى البيوت بسبب الصمت العائلى ..
أولادنا نريد أن نبصرهم بالحلال والحرام ولن يتم هذا بالعنف ولا بالضرب ويتم بالحوار الهادئ الهادف البناء بينى وبين أولادى ..
أولادنا نريد أن نضع أيديهم على محاسن الأخلاق حتى يعرفوها وعلى محاسن الأعمال حتى يألفوها ولن يتم هذا بالسب ولا بالشتم ويتم بكلمة طيبة يسمعوها بآذانهم فتسكن فى قلوبهم ..
ما تفككت الأسر وما تشرد الأبناء والبنات وما تخاصم المسلم مع أخيه المسلم وما طعن بعضهم على بعض وما تنابزوا بالألقاب وما فسدت الدنيا إلا بسبب غياب الكلمة الطيبة وغياب الحوار الهادف وغياب التفاهم وغلب على الناس حب الغلبة الشهرة والظهور
ورحم الله من قال :
إذا رمت ان تحيا سليما من الردى *** ودينك موفور وعرضك صين
فلا ينطق منك اللسان بسؤة *** فكلك سؤات وللناس ألسن
وعيناك ان ابدت اليك معائبا *** فدعها وقل ياعين للناس اعين
وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى *** ودافع ولكن بالتي هي أحسن.....
أسأل الله تعالي أن يشرح صدورنا لطاعته وأن يرزقنا خشيته ... اللهم آمين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق