- Unknown
- 4:38 ص
- ISLAM
- لاتوجد تعليقات
ليس في القرآنِ غيرُ العربيةِ:
بسم الله الرحمان الرحيم:
فصلٌ : ليس في القرآنِ غيرُ العربيةِ:
ذكره أبو بكرٍ من أصحابنا في كتاب "التفسيرِ"، وبه قالَ جمهورُ الفقهاءِ والعلماءِ والمَتكلِّمين، خلافاً لابن عباسٍ وعكرمَةَ: أنَّ فيهِ غيرَ العربيةِ، كقولِه سبحانَه: مشكاةٌ، وقِسطاسٌ، وسِجِّيل، واستبرق.
فصل في أدلتنا:
فمنها: قولى تعالى: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} [الزمر: 28] {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ} [الشعراء: 195]، وقولُه: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} [فصلت: 44]، وهذه صفة لجميعِ الكتاب العزيزِ، ونفي للقول بأن فيه أعجمياً وعربياً، وهذا القولُ يتطرقُ عليه إذا كان بعضُه غيرَ عربي.
ولأنَّه تحداهم به سبحانه، والقومُ لا يقدِرونَ على الأعجمي، فلا يتحداهم بما لا قدرةَ لهم عليه، ولا هوَ من صناعتِهم، وإنَّما يتحداهم باللسانِ الذي يقدرون عليه، ثم يعجزونَ عن نظمِه وأسلوبه، ألا ترى أنَّه سِبحانه لم يَتَحدَّهُم بالطِّب، كما تحدى قوم عيسى، ولا بما يتوهمونه سحراً، كما تحدَّى قومَ موسى، فكلّ قوم تحداهم بما كان من صناعاتِهم، وأبان عن عَجزِهم عنه، استدلالاً على تأييد نبيِّهم بما يخرقُ عاداتِهم، ولهذا لم تُتَحَدَّ العبرانيةُ والسريانيةُ بالكلامِ العربيِّ.
....
فصلٌ في جمعِ شبههم:
فمنها: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بُعثَ إلى الكافَّة، ولم يقف إرسالُه على العربِ خاصَّةً، فجُمعَ في كتابِه سائر اللُّغاتِ، ليقعَ الخطابُ لكلِّ من بُعثَ إليه بلسانِه الذي وضع له.
ومنها: أنَّه قد وَجدْنا في القرآنِ ما ليسَ بالعربيةِ، فلا وجهَ لنفيِه، فمن ذلك: (المشكاةُ)، وهي كلمةٌ هنديةٌ، و (الإستبرق)، و (السجِّيل)، وهما كلمتان بالفارسية، و (طه) وقيل: إنَّها بالنبطية.
وفيه ما لم يفهم أصلاً، وهو (الأبُّ)، حتى إنَّ عمرَ لم يعلَم ما الأبُّ، فقال لمَّا تلاه: هذه الفاكهةُ فأين الأبُّ؟ ثمَّ عاتب نفسَه على البحثِ عنه، إذ ليسَ فيه أمرٌ ولا نهيٌ، ولا حكمٌ من أحكامِ الشرع.
فصل في الأجوبةِ عمَّا ذكروه:
فأمَّا أنَّه بُعِثَ إلى الكافَّة; فليسَ يُعطي هذا أنَّه قد أعطى الكافَّة حقَهم من الخطابِ؛ لأنَّ البلاع إذا قُصِدَ به تعميمُ الكلِّ، وجَبَ أنْ يستوعِبَ كلَّ أُمَّةٍ بجميع ما شُرِعَ لهم، كما أنَّ العربَ استوعبت بخطابِهم بالأَوامرِ كلَها والنّواهي، والوعدِ والوعيدِ، والأمثالِ والمواعظِ، فأمَّا أن يُبعثَ بالرسولِ إلى الهندِ، فيقول لهم: (مشكاةٌ)، فَمُحالٌ في الأوامرِ والنواهي، وأقسامِ ألفاظِ التكليفِ كلِّها، التي هي المقصورةُ على العربِ، ويُبعثَ إلى الفرس، فلا يُخاطبهم بما يخصُّهم به، إلا أنْ يقولَ لهم: (سجِّيل)، و (إسَتبرق)، ويُبعثَ إلى النبط، فيقولَ لهم: (طه)، هذا من أَهْجنِ المقالاتِ.
على أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بُعِثَ إلى العربِ، وهم أهلُ صناعةِ الكلامِ، وجُعلَ عجزُهُم عن مثلِه حجةً على غيرهم، كما جُعلَ عجزُ السَّحرةِ عمَّا جاءَ به موسى عليه السلام حجةً على غيرِهم من بني إسرائيل.
جوابٌ آخر عن قولهم: إنَّا قد وجدنا ذلك;
وهو أنَّ المحقِّقين من أهلِ اللغةِ قالوا: إنَّ هذه كلمات تواطأت، فسارت، فكانت في العربيةِ كهي في غيرها من اللغات، مثل تَنُّور، بكل لغةٍ تنورٌ، وتواطأ لسان العربِ والفرس في (سجِّيل) و (إستبرق)، والنبطِ والعربِ في (طه)، وأنَّه الرجَلُ، فلا يكون خروجاً عن العربية، بل مساواةً لغيرها، وأما (الأبُّ): فما خَفي على عُمر لأنَّه ليس من العربية، لكنْ لأنَّ من العربيةِ ما يُجهلُ عند قومٍ، ويُعرفُ عندَ غيرِهم، ولهذا رُويَ عن ابن عباس أنه قال: ما كنت أدري ما معنى: {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الأنعام: 14]، حتى سمعت امرأةً من العرب تقول: أنا فطرته، فعلمت أنه أراد: منشىءَ. وإلاَّ، فالأبُّ في اللغةِ: الحشيشُ.
على أنَّ العربيةَ قد وافقت غيرَها في أشياءَ، كقولِ الفُرس: سروال، مكانَ قولِ العرب: سراويل، وتقولُ في السماءِ: أسمان، والكلُّ قالوا: صابون، وتَنُّور، فما اختلف فيها لغتان.
عن كتاب (الواضح في اصول الفقه، لابن عقيل الحنبلي).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق