- Unknown
- 4:21 ص
- ISLAM
- لاتوجد تعليقات
ميزان وضابط:
الواجب علينا شرعاً أن نزن تصرفاتنا بميزان الشرع، وأن نعيد النظر من جديد في أسلوب معاملاتنا، وأسس الحوار وآدابه فيما بيننا، فمن استمسك بدين الله أحببناه وواليناه، ومن وقع منه بعض الأخطاء والمخالفات التي لا تخرجه عن دائرة الإسلام، فإن عقد الأخوة لا يزال باقياً له مع استمرار النصح له دائماً، وبغض ما يأتيه من مخالفات، فنحبه من وجه، ونبغضه من وجه آخر، وهذا هو المنهج الصحيح لقاعدة الحب والبعض، وأساسها قول الله -عز وجل-: (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (التوبة:102).
فمن أخطأ أو زل فلا ينبغي أن نبغضه أو نذمه بإطلاق كما فعلت الخوارج، فكفروا مرتكب الكبائر، كذلك لا نمدحه بإطلاق، ولا نرفعه لدرجة جبريل وميكائيل -عليهما السلام-، وأبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-، كما فعلت المرجئة.
وإنما دين الله وسط بين الغالي فيه والجافي عنه، وأقوال أئمة السلف في هذا الباب توضح بجلاء لا خفاء فيه هذا المبدأ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ولا منافاة بين أن يكون الشخص الواحد يرحم ويحب من وجه، ويبغض ويعذب من وجه آخر".
ثم قال: "وإنه كثيراً ما يجتمع في الفعل الواحد، أو في الشخص الواحد الأمران: كالذم والنهي، والعقاب قد يتوجه إلى ما تضمنه أحدهما فلا يغفل عما فيه من النوع الآخر، وقد يمدح الرجل بترك بعض السيئات البدعية الفجورية، ولكن يسلب مع ذلك ما مدح به غيره على فعل بعض الحسنات السنية، فهذا طريق الموازنة والمعادلة، ومن سلكه كان قائما بالقسط الذي أنزل الله له الميزان". (مجموع الفتاوى: 10/366).
ثم قال: "ومن سلك طريق الاعتدال عظم من يستحق التعظيم وأحبه ووالاه وأعطى الحق حقه، فيعظم الحق ويرحم الخلق، ويعلم أن الرجل الواحد تكون له حسنات وسيئات فيحمد ويذم ويثاب ويعاقب، ويجب من وجه، ويبغض من وجه، هذا هو منهج أهل السنة والجماعة خلافا للخوارج والمعتزلة ومن وافقهم". (منهاج السنة النبوية 4/543).
سلامة المنهج أساس الوحدة:
إن من أهم أسباب فشل محاولات توحيد الصف: غياب صحة المعتقد وسلامة المنهج والاختلاف المذموم والتعصب للجماعة والحزب، لذلك فدعوتنا إلى الائتلاف والوحدة بين المسلمين لا تكون أبداً على حساب المنهج السليم، ولا على حساب التفريط في قواعد الدين وأصوله؛ لأن حرصنا على الائتلاف ووحدة الصف لا قيمة لها ولا معنى إن نحن فرطنا في العقيدة، أو تساهلنا بما يؤدي إلى تمييع أصولها، ولو حدث ذلك لوقعنا في الشقاق والفرقة من حيث أردنا الوحدة والائتلاف، ولم لا؟ والتوحيد أساس الوحدة!
ولذلك فنحن حينما ندعو للائتلاف لا نعني الائتلاف مع أصحاب المذاهب الضالة والمنحرفة عن منهج أهل السنة من الخوارج والروافض، والقدرية والمعتزلة، وغيرهم من فرق الضلال المنحرفة عن الصراط المستقيم.
بل لا بد من التفرقة في دعوتنا للوحدة والائتلاف، بين هؤلاء المبتدعة من الفرق الضالة وبين المختلفين من أهل السنة المتبعين لمنهج السلف؛ فهؤلاء هم الذين نسعى لتأليفهم وجمع صفوفهم.
فالمختلف من أهل السنة، وإن وقع بعضهم في تأويل فاسد وافق فيه بعض الفرق الضالة دون أن يدعو إلى مذهب تلك الفرقة أو يفاصل أهل السنة ويفارقهم عليه، فإن هذا لا يُخرجه عن مسمى أهل السنة والجماعة، بل إن من علماء أهل السنة والجماعة وقع في بعض التأويلات وافق فيها مذاهب الأشاعرة، لكن دون أن يتبنى مذهبهم أو يدعو إليه، ومن أمثال هؤلاء العلماء الأجلاء: ابن حجر العسقلاني، والنووي، وابن الجوزي، وابن عقيل، وغيرهم، فهؤلاء العلماء استدرك عليهم علماء السنة بعض التأويلات التي وافقوا فيها مذهب الأشاعرة، ومع ذلك لم يخرج أحد من هؤلاء الأعلام عن مسمى أهل السنة والجماعة.
فيجب علينا أن نفرّق بين من يتنكبون طريق الإسلام، وينحرفون عن منهج أهل السنة إلى مناهج أهل البدع والضلال، وبين الذين يخطئون وهم يسيرون على منهج أهل السنة، وإليه يدعون وبه يستمسكون، فهؤلاء أحوج إلى النصيحة والحوار منهم إلى التشنيع والاحتقار.
إن غياب الفقه الشرعي المتكامل لحقيقة منهج أهل السنة والجماعة، وغياب الإطار الأخلاقي والسلوكي الذي تميز به دائما الأفاضل من أئمة السلف على مر العصور هو الذي أدى إلى هذا الواقع الأليم الذي تعيشه هذه الجماعات التي ترفع شعار أهل السنة والجماعة.
إن الجماعة -كما يقرر شيخ الإسلام ابن تيمية- سبب ونتيجة في الوقت نفسه، فالحرص على الاجتماع والائتلاف والموالاة العامة لكل المسلمين على أساس التقوى ومحبة الخير للآخرين، والحرص على هدايتهم وإخلاص النصح لهم بالحكمة والموعظة الحسنة والصبر عليهم في كل حال، كل ذلك سبب لتنزل رحمة الله -عز وجل- على الناس، وإسباغ نعمه عليهم، ومن رحمة الله على الناس ونعمه عليهم المحافظة على اجتماعهم وائتلافهم وموالاة بعضهم بعضاً.
اختلاف السلف في كثير من القضايا العلمية لم يمنعهم من الائتلاف:
لقد اختلف السلف والأئمة وتعددت اجتهاداتهم في كثير من القضايا العلمية والعملية، ونتج عن ذلك تعدد المدارس الدعوية والفقهية.
ووقع بعضهم في أخطاء اجتهادية وتأويلات بعيدة، ولكن الإخلاص في النية لله وحده، والصدق في القول والعمل، والالتزام بالعلم الشرعي والأخلاق النبوية الكريمة جعلهم يحرصون على وحدة الكلمة والمحافظة على الجماعة والأدب في الحوار، والصبر على المخالف، والدعاء له بالخير مع التزام ما يراه حقاً وصواباً، والدعوة إليه، ذلك أنهم كانوا يعون هذه الحقيقة جيداً.
إن التعاون فيما بينهم والمحافظة على جماعتهم الشاملة وائتلافهم ووحدة كلمتهم والوقوف صفاً واحداً أمام عدوهم المشترك هو حياتهم، وهو أعظم ما يميزهم، وهو سبب نصرهم في كل الميادين. أهـ (نحو وحدة العمل الإسلامي، محمد بدر، باختصار).
دعوة لرأب الصدع وجمع الكلمة:
وختاماً:
نقول لكل من ينتمي لهذا الدين الحنيف من أهل السنة -وفي زماننا-: إننا جميعاً في حاجة ماسة -وأحوج ما نكون من أي عصر مضى- إلى وحدة الصف، وجمع الكلمة، ودراسة فقه الخلاف عملياً، ومعرفة ضوابطه، ومعاييره وآدابه، وما هو السائغ منه وغير السائغ، وما يحمد منه وما يعاب، وكيف نتعامل مع كل نوع، كما تعامل أئمة السلف من هذه الأمة الذين عرفوا كيف يختلفون وكيف يأتلفون، فسلمت أخوتهم من كل تكدير وتعكير، وصفت نفوسهم من كل بغضاء وشحناء، ورضي عنهم خالق الأرض والسماء.
فيا علماء الأمة ودعاة الحق والخير في كل مكان، يا أولي الأحلام والنهي، يا من تتشرفون بالانتماء إلى أعظم عقيدة وأشرف منهج وخير هدي، من غيركم يسدد المسيرة؟! ويرعى حقوق الأخوة؟! ويسعى لرأب الصدع، وجمع الكلمة، وتقليل هوة الخلاف؟! يا دعاة الحق: أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه، وأصلحوا ذات بينكم، فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين، هدانا الله وإياكم إلى أقوم طريق وأهدى سبيل.
وصلى الله وسلم وبارك على النبي الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم إلى يوم الدين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق